الاثنين، يناير 2

الجمود و التجديد

المصري اليوم .... الاثنين   ٧   يوليو   ٢٠٠٨     عدد    ١٤٨٥ 
بقلم
   د. أحمد جمال الدين موسي
    ٧/ ٧/ ٢٠٠٨

تمر المجتمعات ببعض الأحداث والظروف التي تنتج مجموعة من الأفكار والسلوكيات السائدة التي تحتاج إلي أن نفكر فيها، وأن نقيمها بموضوعية وتجرد. ومن ذلك موقفنا في السنوات الأخيرة من قضية التغيير والتجديد والإصلاح. نحن نشتكي وبحق من الأوضاع السائدة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ومع ذلك فإن هجوماً يكاد يكون جاهزاً، يتجه نحو كل مبادرة تسعي لتغيير بعض الأوضاع.


 والحجة التي تشيع هي أن كل مسؤول يهدف إلي تغيير الأمور المستقرة في عهد سلفه، وفي هذا مضيعة للوقت والجهد. وكأننا بتعبير آخر نطلب من المسؤول أن يجمد الأوضاع علي ما وجدها عليه، وأن يفعل أي شيء عدا التغيير والتطوير. وهذا التوجه يثير التعجب ويتناقض مع توجه الرأي العام في البلاد المتقدمة.

فالمطلوب من المسؤول هو السعي منذ اللحظة الأولي لتوليه أعباء مسؤوليته لتقييم الأوضاع واتخاذ خطوات تصحيحية وإصلاحية لتحقيق التقدم المنشود. وعادة ما يكون هذا التقييم قد تم قبل الانتخابات وتم تضمينه البرنامج الانتخابي للرئيس، أو الحزب الذي ينتمي إليه المسؤول. في الخارج لا مشروعية لمسؤول دون برنامج إصلاحي، ولا يتخيل أن ينجح في الانتخابات من لا يقدم استراتيجية للتغيير والتطوير. ما يجب أن يحاسب عليه المسؤول ليس محاولاته للتغيير والتجديد، وإنما عدم المبادرة للإصلاح، وترك الأمور لتتفاقم وتتدهور علي مدي سنوات شغله لمنصبه.
التغيير سنة الحياة، والتطوير واجب كل مسؤول، والقعود عن ذلك يؤدي لا محالة إلي التخلف والتأخر عن الآخرين وزيادة الأوضاع تدهوراً وسوءاً. لماذا إذن بدأنا نخاف من التغيير، ونفتقد الروح الوثابة نحو الإصلاح؟ لماذا تبدو النغمة العالية في بعض وسائل الإعلام، وكأنها دعوة للمسؤول ألا يقترب من النظم والهياكل والقواعد التي ورثها عن سلفه، وإلا تعرض للهجوم صباحاً ومساءً؟ ألا يبدو ذلك متناقضاً مع شكوانا المستمرة من تخلف هذه النظم وتهاوي هذه الهياكل، وفساد هذه القواعد؟

ظاهرة الخوف من التغيير أخذت تحظي في السنوات الأخير بجانب كبير من اهتمام علماء النفس والاجتماع والاقتصاد لانعكاساتها الخطيرة علي مستقبل الشعوب. ولعل المشكلة هي أن التنبؤ بنتائج التغيير عملية معقدة وصعبة، ومن ثم فإننا عندما نشرع في التغيير والإصلاح، فكأننا نخاطر بما نملكه ولو كان قليلاً، في سبيل ما نوعد به ولو كان كبيراً، وليس كل الناس علي استعداد لتقبل هذه المخاطرة، خاصة إذا غاب التحليل الموضوعي، وندرت الدراسات الاستشرافية الجادة، وطغت علي بعض وسائل الإعلام نغمات التخويف والإثارة، والكليشيهات المحفوظة.

في اعتقادي أن دور الرأي العام ووسائل الإعلام التي تقوده، لا يجب أن يكون رفض التغيير والتخويف من الإصلاح، وإن انطوي علي قدر من المخاطرة، وإنما يجب أن يكون تقييم ومناقشة ونقد الخطط والاستراتيجيات المقترحة للإصلاح، وأن يتم ذلك بعمق وموضوعية حتي نقلل إلي أدني حد ممكن المخاطر والأضرار العرضية المصاحبة.

ولابد من أن نقر بأن لكل إصلاح ضحايا يخسرون إذا تحقق ويفقدون مكاسب وامتيازات كبيرة أو صغيرة حظوا بها سنوات طالت أو قصرت، وهم لأجل ذلك سيحاربونه بكل إصرار، ولكن يجب أن تكون العبرة في المحصلة النهائية بما تحقق للمصلحة الوطنية وللأغلبية من مكاسب فاقت أي ضرر جزئي قد يحدث للبعض هنا أو هناك. ومن المهم أيضاً أن نصارح أنفسنا بأن أي تغيير لن يحقق بالضرورة الوضع الأمثل الذي يرضي كل الناس، ومع ذلك فإنه إذا زحزح الأوضاع إلي حالة أفضل من الركود القائم يجب اعتباره خطوة جيدة للأمام.

الإصلاح والتطوير نقيض الجمود والركود، ولا يمكن أن نأمل في مستقبل أكثر إشراقاً إذا لم نقبل تحمل مخاطرة التغيير لإصلاح الأوضاع والهياكل والنظم السائدة في كل مؤسساتنا التي يعاني الكثير منها من شيخوخة مبكرة وغير مبررة.
 لا مفر من أن نقدم بشجاعة علي مخاطرة إصلاح التعليم والصحة والنقل والتأمين الاجتماعي وسائر المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كي تكون أكثر كفاءة وفعالية، ولكن يجب أن يتم ذلك بأكبر قدر من الشفافية والموضوعية والتجرد عن المصالح الشخصية، والسعي لتحقيق الصالح العام وحده، وهو ما يجب أن ينعكس علي تحسين مستوي رفاهية غالبية الشعب، وليس أقلية محظوظة منه.