Sat, 28/01/2012 -
- «الدولة الحديثة تقوم على تنظيم مؤسسى جاد ومتقن يرفض الخضوع للاعتبارات الديماجوجية والمسكنات الإجرائية. ولكى نحقق بالفعل أهدافنا يجب أن نتمسك بصرامة وجدية هذا التنظيم، وأن نخضع لمتطلباته وإلا أصبح كل ما نفعله هو إطلاق الشعارات وتسكين الآلام، على حين يحقق أعداؤنا ومنافسونا أهدافهم بحسن التنظيم وكفاءة التدبير».
- «لا جدال فى أن الإصلاح السياسى ركن رئيسى فى أى خطة جدية للإصلاح المؤسسى الشامل. ولكنه ربما يكون أصعب مكونات هذه الخطة لأنه يمس الأوضاع القائمة، ويعرض للخطر المصالح والمنافع الفردية أو الفئوية المستقرة، ويثير الجدل حول مضمونه ومداه وانعكاساته، وقد يحتج بأنه يعرض للخطر مصالح عليا للوطن».
- « من بين خطوات الإصلاح السياسى حرية تكوين الأحزاب فى إطار الدستور والقانون دون تدخل معوق ومتعسف من جانب الإدارة، مع رفض ممارسة السياسة من جانب أى تنظيمات غير حزبية لا تملك شجاعة إعلان برامجها وخططها السياسية أيا كانت بكل شفافية ووضوح. كذلك يتعين الإقرار بمبدأ تداول السلطة بحيث لا يحول أى عائق بين الحزب الذى يحوز الأغلبية وتولى مسؤولية إدارة شؤون الدولة.
ولابد من أن نتخلص من آفة تزييف إرادة الناخبين فى بعض الدوائر لأى سبب كان ومن جانب أى طرف كان، بحيث تأتى نتائج الانتخابات معبرة بكل صدق عن خيارات الناخبين. فالتزوير فى الانتخابات سبة على جبين أى دولة متحضرة، فما بالنا بمصر أم الحضارات. ونحن نعتقد أن الانتخاب بالقائمة النسبية هو النظام الأمثل فى وضعنا الحالى لعدة أسباب أبرزها التخلص من الآفات التى ارتبطت بنظام الانتخاب الفردى فى العقود الأخيرة وهى سيطرة العصبية والبلطجة والمال والنفوذ على العملية الانتخابية، وتقوية دور الأحزاب فى الممارسة السياسية، وإبراز أهمية البرامج الانتخابية وإذكاء الحوار الوطنى حولها، وتجنب قدر الإمكان السماح لأشخاص فاسدين أو تافهين أو مزورين بالوصول لسدة البرلمان المصرى».
- «إننى أدعو منذ زمن بعيد للبدء فى الإصلاح المؤسسى على المستوى اللامركزى. فإذا كان الجميع تقريبا يشتكى من فساد المحليات وعدم كفاءة قياداتها وتردى أدائها، وهو ما تؤكده كل يوم استطلاعات الرأى والاستبيانات والدراسات الميدانية للباحثين ويعبر عنه بأسى البسطاء قبل المثقفين، فإن المنطق يقتضى اتخاذ خطوات حاسمة فى تغيير هيكل النظام المحلى والتخلى عن المركزية الشديدة صريحة أو مستترة، وأن يختار المواطنون قياداتهم المحلية اختيارا ديمقراطيا حرا، فيترشح من يرغب فى قيادة المجالس التنفيذية المحلية فى انتخابات قائمة على نظام القائمة النسبية فى القرى والأحياء والمدن، كما هو الحال فى جميع الدول المتقدمة تقريبا، ويخضع من ينتخب لمحاسبة الناخبين فى انتخابات دورية نزيهة»
- «انتخاب المسؤولين المحليين وليس تعيينهم هو فرصتنا الكبرى للتخلص من النظام الحالى القاصر وترك الكرة فى ملعب المواطنين لإثبات جديتهم فى مواجهة المشاكل التى تحيط بهم وتحملهم عواقب خياراتهم، وإذكاء روح المنافسة الخلاقة بين سائر الوحدات المحلية مما يدفع بالوطن كله نحو التنمية والتقدم ويهيئ الفرصة لبروز قيادات جديدة عالية الكفاءة وسابقة الخبرة يحتاجها الوطن على المستوى المركزى».
- «غير أن الإصلاح السياسى رغم أهميته ليس كافيا وحده لتحقيق طموحاتنا ولذلك يتعين أن يعضده تغيير إصلاحى واسع فى الميادين التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية... فالواقع أنه «فى ظل أوضاعنا المصرية الحالية لا يستطيع المراقب الموضوعى منع نفسه من التساؤل عن مدى قدرة مؤسساتنا الاقتصادية والاجتماعية القائمة على مجابهة التطورات والتقلبات الاقتصادية الحادة التى تعصف بقدرة العديد من الاقتصادات العالمية على الحفاظ على معدل التشغيل وإنشاء وظائف جديدة للعاطلين أو القادمين الجدد لسوق العمل، ومواجهة تردى الأوضاع المعيشية وتقليل انتشار الفقر، والوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين من غذاء وصحة وتعليم ومرافق، فضلاً عن الاحتفاظ بحيوية الأمة فى سعيها للتنمية والتقدم.
وهى مجابهة تستدعى بكل تأكيد طاقة جبارة وإرادة صلبة فى السعى للإصلاح وإعادة النظر فى المؤسسات القائمة وفتح الباب لدور أكبر فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمنظمات المجتمع المدنى الفاعلة دون تقييدها وتكبيلها بحجج إدارية وأمنية مرهقة، وللمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تعانى من الإهمال والتمييز رغم أن دورها فى التنمية والتشغيل يتجاوز بمراحل ما يمكن أن يساهم به العدد القليل من المشروعات الاستثمارية الكبيرة التى تحظى بكل الضوء والنفوذ والمكاسب».
تلك كانت دعوة مخلصة ضمن دعوات أخرى عديدة قبل الثورة للشروع فورا فى التغيير والإصلاح، ولكن هل كان هناك من مستجيب قادر أو راغب فى تخطى ضيق أفق معطيات الواقع المتردى لاستشراف حاجات مصر المستقبل؟!
بالتأكيد كنت مع مرور الأيام أشعر مثل غيرى باليأس من الاستجابة لدعوة الإصلاح، وهو ما يظهر من هذه الصورة الرمزية التى ضمنتها مقالاً بعنوان «هواجس الجدار العارى»: «كان صادق محبوب، عمدة قرية زميل دراستى ناجى محمود، رجلا حصيفا خبرته الأيام وخابرها، رسخ أقدامه وأقدام ذويه فى القرية سنوات طوالاً..
ذات يوم، أتى إليه ابنه قلقا من كلام الناس وشكواهم، ناصحا والده بالتمسك بقليل من المرونة والتغيير.. ضحك صادق ساخرا من ابنه وقلقه وأجاب بحكمة يوقن بها: لا تهلع يا ولدى ولا تصدق شعارات الإصلاح والتغيير، فما نعرفه أفضل مما نجهله، وكل تغيير بدعة، وشر الأمور مستحدثاتها، والزمن كفيل بمعالجة شكاوى الأهالى كما فعل بهم وبآبائهم منذ سنين الأولين البعيدة، فسينامون، ولو بعد حين، قانعين هانئين شاكرين».
ظهر هذا المقال فى المصرى اليوم فى 23 أغسطس 2010، دون أن أعرف أنه بعد خمسة أشهر سيفرض الشعب بقيادته الشابة التغيير والثورة لتبدأ مصر عهدا جديدا من البناء والازدهار.